9tv : محمد بونفاع
تلقيت اتصالًا من صديق يخبرني بمأساة تقشعرّ لها الأبدان،مصحة خاصة بالدار البيضاء تحتجز جثة رجل توفي، وتطالب عائلته بمبالغ خيالية قبل أن تسلمها لهم.
أسرعت إلى المصحة، وهناك وجدت الابن واقفًا كظل تائه، لا يعرف إن كان يبكي أباه أم يبكي حاله. اقتربتُ منه، سألته بهدوء: “هل تستطيع أن تصبر قليلاً، لنذهب معًا إلى وكيل جلالة الملك، نضع شكاية ونستصدر أمرًا بتسليم الجثمان؟”.
نظر إليّ بعينين غارقتين في الدموع، ثم هز رأسه بالرفض. لم يكن الرفض لأنه لا يريد حقه، بل لأنه محاصر.
قال لي بمرارة: “لو فعلتُ ذلك، سيقول الناس إنني لم أبالِ بأبي، وإنني اخترت المحاكم بدل أن أدفنه كما يليق. الناس تنتظرني في منطقة ولاد زيان حيث مقر سكناه، وينتظرون الجنازة، والمل يتصل بالهاتف “اشنو درتو خرجتوا جايين”وأنا لا أملك سوى العجز…”
هذا المشهد ليس حالة معزولة، بل هو جرح مفتوح في ضمير هذا الوطن: موتى محتجزون، أسر مسحوقة، سماسرة سيارات إسعاف يتربصون، ومصحات تحول الموت إلى تجارة.
سولتو: “خويا، علاش جبتي الوالد لهاذ المصحة وانت عارف الإمكانيات محدودة؟”
جاوبني بصوت مهزوز: “سائق سيارة الإسعاف هو اللي جرّني لهنا… قالي راه المصحة غادي تتحمل الجزء الكبير من المصاريف عن طريق CNSS، وأنا صدقت… ما كنتش عارف راسي غادي نطيح فمصيدة.”
فعلا، المصحة شدات من CNSS مبلغ كبير، أكثر من 90 ألف درهم. وخلص الفرق ديال 33000 درهم مجموع 18 ليلة وعند رغبته في حمله جثة والده طلب منه 35000 اضافية.
القانون واضح وصريح،لا يحق لأي مصحة أن تحتجز جثة ميت،فلها الحق فقط في رفع دعوى مدنية لاستخلاص مستحقاتها من الورثة،لكن بين القانون والواقع، هناك هوة من الفوضى والجشع.
لهذا، فإن الحل لا يكون فقط عبر رد فعل العائلات، بل عبر تدخل الدولة،نحن في حاجة إلى:
قانون صارم يجرّم احتجاز الجثث ويُعاقب المصحات المتورطة،شفافية إلزامية في الفواتير الطبية، بندًا بندًا،إحداث رقم أخضر وطني تحت إشراف وزارة الصحة أو النيابة العامة، يُتصل به فورًا في مثل هذه الحالات المستعجلة، للتدخل العاجل وإجبار أي مؤسسة على تسليم الجثث فورًا.
الموت لحظة كرامة، لا لحظة إذلال.
وإكرام الميت دفنه، لا احتجازه.
فمن ينقذ المغاربة من بطش المصحات الخاصة؟؟؟